بقلــم: بحري العرفاوي معهد الفارابي، المرناقية
ملاحظـة: الخيط الناظم بين كل المحاور هو “الإنسان” بما هو كائن حر مكرم، وكائن مبدعٌ ذو إرادة، وبما هو كائن فاعل في الزمن وبالزمن، وبما هو كائن كوني أي مفرد جمعٌ، وبما هو كائن مستخلف يستنزل القيم الالهية المطلقة من عالم الغيب إلى عالم الأرض، وبما هو محور الشريعة الإسلامية.
التوحيد وتحرير الانسان: عقيدة التوحيد هي عقيدة الحرية فالإنسان المؤمن إذ يعتقد بوجود خالق واحد قادر قوي فإنه يتحرر من الطبيعة ويسعى لكشف أسرارها وفهم قوانين ظواهرها لبسط سيادته عليها، كما إنه يتحرر من الخوف حين يعتقد بكون الله هو القوة المطلقة وهو الغني بيده الرزق والحياة. عقيدة التوحيد تؤسس لوعي بوحدة المجتمع في أهدافه وفي اشتراكه في الثروة وفي القرار فلا تكون طبقية ولا استبداد سياسي فكل مجتمعات الطبقية هي مجتمعات “شِرْكية”.
2- الكونية ووحدة الإنسان: “الإنسان” هو المفرد الجمع أو هو الواحد الكثير، جميع البشر على اختلاف ألوانهم ومعتقداتهم وأجناسهم يلتقون في “الهوية الانسانية” لا يتفاضلون إلا بالعمل الصالح، عقيدة التوحيد تحرر الناس من عقد العنصرية وأوهام التفوق العرقي أو الديني. ـ الكونية الانسانية توحد بين البشرية في “هويتها” وفي مسارها التاريخي فالحضارة الانسانية ليست من إنتاج شعب أو أمة وإنما هي محصلة التجربة البشرية كلها حيث تتراكم تجارب الشعوب والأمم. ـ الكونية الإنسانية لا تمنع الخصوصيات الثقافية بما هي طرائق عيش وعادات وتقاليد، ولكن دون حاجة لصدام بين الهويات الثقافية والدينية. ـ الإسلام يُقيم العلاقة بين الشعوب والأمم على مبدأ “التعارف” بما هو انفتاح ثقافي وتبادل للمعارف والتجارب عن طريق التزاور والتحاور.
3- الإنسان والغيب: الإنسان كائن يجتمع فيه الحاضر والمستقبل أو عالم الشهادة وعالم الغيب، فهو مشدود إلى واقع عملي متحرك وفي ذات الوقت هو منجذب إلى عالم الأشواق والكمال والجمال والحرية. عالم الغيب هو عالم الأشواق يستمد منه الإنسان العزيمة والصبر والأمل فيظل متمردا على واقعه من أجل واقع جميل وأجمل ويظل متجها نحو مستقبل أرقى وأنقى ويظل طموحا لا يقنع بحال ولا ييأس ولا تنهزم إرادته. عالم الغيب هو عالم الممكن قبالة عالم الواقع وهو عالم النجاحات قُبالة عالم الخيبات والفشل وهو عالم الأحلام قبالة عالم اليأس وهو عالم السعادة قبالة عالم الأحزان وهو عالم الجمال والإبداع قبالة عالم الرداءة والرتابة. 4″.
4- الإنسان والزمن والإبداع: الإنسان بما هو “خليفة” الله في الارض هو إنسان متجدد مبدع يتحرك داخل الزمن ويحرص على الاستفادة أقصى ما يمكن من حركة الزمن . الإنسان المؤمن لا ينظر للحياة الدنيا على أنها محطة لانتظار الموت والذهاب إلى الآخرة إنما ينظر إليها على أنها فترة للاختبار حمّل الله تعالى فيها الإنسان مسؤولية خلافته على الأرض يستنزل عليها القيم الإلهية المطلقة من عالم المُثل والتجريد إلى عالم الشهادة، استنزال قيم الحرية والقوة والعلم والعزة والرحمة والعدالة في مجتمع حي متجدد مبدع. إن التقدم والتخلف هما قيمتان نسبيتان تتحددان بحسب نسق حركة المجتمعات داخل الزمن فالمجتمعات الأسرع حركة والأكثر فعلا وإبداعا هي المجتمعات الأكثر تقدما وتفوقا. ذكر القرآن قصة أهل الكهف وهي قصة في فلسفة الزمن وليست قصة تأريخية. فالكهف هو مجتمع فوق الأرض وهو مجتمع الخمول والكسل مجتمع لا ينتبه لحركة الزمن وإيقاع العصر وتطور الأمم الأخرى “وضربنا على أذانهم في الكهف سنين عددا” إنه الصمم الحضاري والانقطاع عن حركة التاريخ وانتظار بعض عطايا الأمم المتقدمة تماما كما تسعفهم الشموس عند غروبها من فجوة الكهف. الإنسان المؤمن هو إنسان فاعل مبدع وليس سلبيا مستهلكا عالة على غيره، إنه يتماهى مع خالقه الذي أبدع كل شيء.
5- الإنسان والشريعة: الإنسان هو المقصد الأعلى للشريعة الإسلامية فهو هدفها وهي وسيلته. لم يرسل الله الأنبياء والرسل ولم ينزل الكتب لخدمة الله الذي لا يحتاج من يخدمه إنما أرسل الأنبياء والرسل وأنزل الكتب لخدمة الناس في أمنهم ومعاشهم وحاضرهم ومستقبلهم. ـ من أجل ذلك نهى الإسلام عن إكراه الناس في معتقداتهم إذ لا يمكن إبلاغُ رسالة السعادة بأساليب الشقاء ولا يمكن الدعوة إلى الحرية بأساليب الإكراه. ـ إننا لا نعبد الله في أمكنة وأزمنة محددة إنما نعبده في كل كائناته حين نتعامل معها وفق ما تقتضيه شروط الحياة. تهدف الشريعة الإسلامية إلى هدف ثابت هو : جلب المصلحة ودفع المضرة. فالتحريم والنهي يهدفان إلى دفع المضرة والأمر والإباحة يهدفان إلى جلب المصلحة. ومقاصد الشريعة عنونها علماء الأصول في خمسة: حفظ الدين/ حفظ النفس/ حفظ النسل/ حفظ العقل/ حفظ المال. الشريعة الإسلامية هي عنوان رحمة الخالق بالمخلوق وليس عنوان قهر للناس وسلب لحرياتهم. ـ ولكون مصلحة الإنسان هي الهدف والأحكام وسيلة فإنه إذا حصل تعارض ظرفي بين حكم شرعي ومصلحة الإنسان وجب تقديم المصلحة على الحكم كإباحة أكل بعض من الميتة بالقدر الذي يدفع خطر الموت، أو كما فعل عمر بن الخطاب في عام الرمادة حين أوقف العمل بآية قطع يد السارق بسبب كثرة السرقات لظروف اقتصادية صعبة.
السلام عليكم ورحمة الله
نشكر الأخ بحري عرفاوي على ما أفادنا به ونرجو أن يتفضل علينا بما عنده من علم .هذه المقالة مهمة جدا تطرح علينا نحن المسلمين عدة أسئلة منها .ما هي الاستعدادات التكوينية والقدرات التى التي أودعها الله في الإنسان حتى يكون خير خليفة له في الأرض؟
وماهي المعوقات والعراقيل التي منعت الإنسان المسلم من أن يوظف قدراته تلك وما أهله الله له ويسره ليقوم بدوره الذي أنيط بعهدته؟
وماهي الاستراتيجية التي يجب اتباعها حتى يسترجع المسلم ريادته الحضارية ؟ وكيف لهذه الأمة أن تسترجع خيريتها؟ وكثير من الأسئلة الجوهرية تطرح اليوم في ظل التدهور الحضاري والتخلف في جميع الميادين.