بقلم: أ. سناء إلاهي
يشهد العَالم حربًا ضروسًا ضدّ فيروس غير مرئيّ، هو وباء القرن الحادي والعشرين. والوباء مفهومٌ تعرّض له الأدباء والكتّاب مثل “ألبير كامو” الذي ألف كتاب “الطّاعون”، وكذلك تعرّض له الباحث رضا المغيربي في رسالة الماجستير بإشراف الأستاذ فتحي القاسمي، والتي نُوقشت بكلّية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس سنة 2012م وحملت عنوان “مُحاورات التّونسيين حول قضايا عصرهم خلال القرن التّاسع عشر: الكَرنتِينة أنموذجًا”، وبيّن فيها الباحث سبق علماء تونس في الحديث عن الحجر الصحّي توقّيًا من الوباء أو الطّاعون.
لكن لسائل أن يتساءل: هل أن فيروس كورونا يمكن أن يكون إنذارًا إلهيًّا؟ أي هل أنّه بلاءٌ حلّ بالعباد جزاء ما اقترفوه من الشّرور والمعاصي؟ وقد ذكر الشّيخ المنّاعي، وهو عالم زيتونيّ ذلك في كتاب مخطوط وسمه بـ :” تُحفة الموقنِين ومُرشد الضّالّين”. وإذا عُدنا إلى التّفاسير مثل تفسير ابن كثير والطّبري، وإذا عدنا كذلك إلى الكتب السّماوية مثل التّوراة والإنجيل، ونظرنا في قصص الأنبياء، أليس الوباء أو البلاء إذا حلّ كان ذلك نتيجةً فسادٍ عمّ الأرضَ، ويأتي الوباء أو الطّاعون أو الطّوفان أو الزلزال ليطهّر الأرض من هذه المعاصي والآثام؟
أليس وباء كورونا نتيجة لخللٍ في النّظام العالمي الجديد؟ فهذا الوباء كمفهوم هو شيء طارئ زَلزل البُورصات بالرّغم من الثراء الفاحش لكثير من بلدان الشّرق والغرب؟ هل هي نتيجة سلبيّة للعولمة؟ ويمكن في هذا السّياق العودة إلى مفهوم العولمة والتّعمق فيه، إذ ناقش الأستاذ نجيب جراد أطروحة دكتوراه بعنوان “العولمة وتداعياتها في العالم الإسلامي المعاصر”.
ألن يكون هذا الوباء الموسوم “بالكورونا” فرصةً لمراجعة الأفكار وإعطاء القيمة التي يستحقها المثقّف العربي عمومًا والتّونسي خصوصًا؟ وعندما نقول المثقف فإنّنا نقصد الباحث والطّبيب والمهندس والعالم الذي اضطهد وهُمّش طيلة عقود؟ هل من المعقول أن يجُوع الباحث في البلدان العربية ويبقى إلى يوم الناس هذا عاطلاً عن العمل؟
إنّ البلاد التّونسية تزخر بالكفاءات، لكن للأسف هذه الكفاءات إما هاجرت للبحث عن ظروف أفضل، وإما بقيت في وطنها تعيش ظروف البطالة والتّهميش، وجلّها يحاول إتمام بحوثه في الدراسات العليا في ظروف قاسية؟ ألا يكون “الحجر الصّحيّ” فرصةً للإبداع شعرًا و نثرًا وموسيقى، وفرصة للإبداع العلميّ في مجالي الطبّ والتّكنولوجيا؟ وهنا ألا يمكن أن نتحدّث عن دور المرأة في تطوير طاقات أبنائها وتعليمهم وتأطير هم وإزالة الإرهاق النّفسي عن العائلة بالتّفنّن في خلق أجواء مريحة؟ ألا يولد الإبداع من رحم المأساة ومن رحم “الحجر الصّحي”؟ ألا يكون الحجر الصّحي فرصةً للمصالحة مع الذّات و مناسبة لشحذها بطاقات خلاّقة ومُبدعة؟