إبادة شعــب ونسيانه
ترجمة عاشور الطويبي
إذا كانت ميانمار قد حضرت بقوة في الوجدان العربي من خلال أخبار مجازر المسلمين على أرضها بين 2012 و2018، إلا أنها تبقى من أكثر بلدان العالم غياباً على مستوى الثقافة أيضاً، وكأن تلك البلاد لا وجود لها على الخريطة وهي في ذلك ليست استثناء فبلاد كثيرة من نفس المنطقة من العالم، ما سمّي خلال الفترة الاستعمارية بـ الهند الصينية، تبدو على هامش الاستحضار العربي على الرغم من أواصر عديدة يمكن تفعيلها.
عندما ولدتُ،
لم أكن مولوداً مثلك.
بلا شهادة ميلاد،
كموت فحسب.
عندما كنتُ أحداً،
لم أكن طفلاً مثلك.
بلا وطن،
كحيوان أليف فحسب.
عندما كنتُ تلميذاً،
لم أكن تلميذاً مثلك.
بلا وجهٍ بورمي،
ككآبة غدٍ آتٍ فحسب.
عندما كنتُ في قرية أخرى،
لم أكن مقيماً مثلك.
أطلبُ استحساناً عاجلاً،
كمعتقلٍ مخبولٍ فحسب.
عندما أعبرُ شوارع مدينتي،
لا أكون مواطناً مثلك.
أحملُ تصريح نموذج 4،
كبدوي فحسب.
عندما ألتحق بالجامعة،
لن أكون طالباً مستجدّاً مثلك.
يُمنعُ من التخصص،
كغير قانوني فحسب.
عندما أقابل الناس،
لن أكون مقبولاً لديهم مثلك.
أعاني الفصل والميز العنصري،
كالحجر الصحّي فحسب.
عندما أقدمُ على الزواج،
لن أكون خاطباً مثلك.
يُقبلُ زواجه،
كأجنبي فحسب.
عندما أريد أن أُصلح من كوخي،
لا يُسمحُ لي كما يسمح لك.
أُقابلُ برفضٍ ظاهرٍ،
كغازٍ فحسب.
عندما أرتّبُ تجارة صغيرة،
لن أكون بائعاً مثلك.
التقدم مقيّدٌ، مصادرٌ،
كمفلسٍ فحسب.
عندما أتقدمّ للعمل في وظيفة،
لن أكون مرشحّاً لها مثلك.
أتقبّلُ سبب الرفض،
كواحدٍ تمّ عزله فحسب.
عندما أكون مريضاً في مصحة حكومية،
لن أكون المريض المفضل مثلك.
مهمشاً، معزولاً،
كغريب فحسب.
عندما أختار ديناً،
لن أكون مؤمناً مثلك.
سأكون مقيدّاً في عبادتي في مسجدٍ مهدّمٍ،
معدوم الإنسانية فحسب.
عندما أنظّم مظاهرات،
لن أكون قادراً على البقاء حيّاً مثلك،
لا ضمانة للسلامة،
كضحية اغتصاب فحسب.
عندما تأتي السنة الجديدة،
لن أكون مواطناً مثلك.
تحت عقود من العمليات الطويلة،
كشيءٍ مختلقٍ فحسب.
حتى عندما أعيش في بلادٍ وُلدتُ فيها،
لا أستطيع أن أقول إنّها لي مثلما تفعل أنت.
بلا هوية،
كلاجئ فحسب.
حتى عندما أستنشق هواء السماء،
أنا لستُ إنساناً مثلك.
بلا حفار قبور موثوق به،
كصعلوك فحسب.
حتى عندما أراقب شروق الشمس،
لا أحيا مثلك.
أحيا بدون أمل،
كقلعة من رملٍ فحسب.
رغم العيش على قمة فقدان الإنسانية ورعب فقدان الأخلاق،
أنا محاصر تماماً.
جلدي يرتجف فقط
ليحسّ مرةً بمعنى الحرية الكامل،
قلبي يشتهي لمرّة فقط أن يمشي في عالمي أنا.
هذه الأيام، لا أحد يشبهني.
فقط أنا نفسي.
روهينغي فحسب!
المصــدر: العربي الجديد، 3 ديسمبر 2019م