مقدمـــة
تجلت العناية بالتراث من خلال مؤسسة المتحف العسكري الوطني قصر الوردة بمنوبة، والذي أحدث في 24 جوان سنة 1989م بمناسبة الذّكرى الثالثة والثلاثين لانبعاث الجيش الوطني بالقصر المذكور. يحتوي هذا المتحف على مجموعات تراثيّة مختلفة من بينها الخاصة بمشاركة العساكر التونسية في حرب القرم (1854 ـ 1856م) أثناء فترة حكم أحمد باشا باي الحسيني (1837م ـ 1855م)[1]. ومجموع هذه القطع التراثية تقف اليوم شاهدًا على هذه المساندة باعتبارها محطة هامّة من محطات تاريخ تونس الحديث، مما أفرزته من بطولات مشرفة من قبل العساكر التونسية. ولمعرفة هذه المشاركة والغوص في خفاياها، ارتأينا دراسة التراث العسكري الذي يهم هذه البعثة، والذي وزع على بعض قاعات المتحف لا سيما في العرض (قاعة القرن التاسع عشر) و(قاعة الفترة الحسينية)، أما الجزء الكبير منه فتم الاحتفاظ به في المخازن.
ينقسم هذا التراث إلى أربعة أقسام كبرى. قسم منه يرتكز على الأزياء العسكرية، والتي تبرز مختلف الرّتب العسكرية الموجودة في فترة أحمد باي، وقسم الوثائق والمخطوطات حيث يوجد مخطوط أصليّ يعود إلى فترة مشاركة البعثة العسكريّة التّونسية في حرب القرم، وقسم يضمّ لوحات فنية تذكاريّة تؤرخ لفترة عودة الجيش التونسي من حرب القرم وكيفية استعراضهم في موكب احتفاليّ أمام قصر التاج بالمرسى، والقسم الكبير منه يحتوي على الأسلحة بمختلف أصنافها (مسدسات، مكاحل، فؤوس، سيوف…) والتي استعملتها العساكر التّونسية خلال مشاركتها في حرب القرم، لكن الاحتفاظ بها وطول المدة الزّمنية والحدث الذي استعملت فيه عناصر جعلتها تحظى بأهمية كبيرة في التاريخ العسكري، حيث أصبحت هذه القطع تراثية (من حيث الشكل والاستعمال)، تختلف عن الأسلحة التي أحدثت في فترات لاحقة.
لذلك اهتمت المؤسسة العسكرية بالتراث العسكريّ باعتباره جزء من التاريخ وجزء من التراث، ويكتسي مزيدا من الأهمّية، وهو مبحث علمي كامل يتطلب كفاءات علمية وموارد مالية. استطاعت الوزارة توفير بعض الموارد في العقدين الأخيرين، حيث قامت بجملة من الإنجازات مثل إقامة ندوات حول التّاريخ العسكري، وملتقيات علمية في مجال التراث العسكري وكذلك بعث متاحف[2]، وساهمت هذه الإنجازات في حفظ هذا التراث نظرًا إلى أهميته العسكرية، فلا يمكن أن يقع دراسته كاملاً في هذه الفترة الوجيزة من تاريخ الجيش التّونسي منذ انبعاثه سنة 1956م إلى يومنا هذا بالرغم من المجهودات المبذولة في إطار التكامل بين العمل التاريخي والعمل التراثي. فكيف يمكن إذن أن تكون هذه الأسلحة المعروضة والتي تمثل جزء صغيرًا مقارنة بالمخزونة مجالاً لدراسة التراث بصفة عامّة والتراث العسكري بصفة خاصّة؟
I- الأسلــحة
ساعدت الظّرفية التّاريخية على تسهيل شراء الإيالة التونسية أثناء فترة حكم أحمد باي الأسلحة من فرنسا، والتي شاركت بها في حرب القرم. ونظرا للتأخر العسكري والتكنولوجي للإيالة التونسيّة في هذا المجال لجأت الدولة إلى توريد الأسلحة والتي أصبحت عنصرًا فاعلاً في العلاقات الدولية وحاجة ملحة لاستعمالها، وبرز لنا ذلك من خلال عمليّة تسليح الجيش التونسي المتّجه إلى حرب القرم.
سعى البايات الحسينيّون إلى تسليح العساكر التّونسية، حيث عمدوا إلى توريد الأسلحة والعتاد الحربي من الدّول الأوروبية. وبلغت هذه النسبة ما يقارب 40 % بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من مجموع قيمة الشّراء[3].
كان قسط كبير من هذه الأسلحة يُأتى به في شكل هدايا للإيالة والتي بلغت نسبتها في أواخر القرن الثامن عشر 48 بالمائة[4]. وقد عمدت الإيالة التونسيّة إلى طلب هدايا من الدّول الأوروبية، شرط أن تكون هذه الهدايا معدات ومستلزمات حربية للعساكر[5]. عند تحديثه للجيش سعى أحمد باي إلى توفير كلّ مستلزماته الحربية من الأسلحة من فرنسا منذ عام 1843م وبعضها استعملها الجيش التونسي إثر مشاركته في حرب القرم، حيث اشترى في سنة 1845م كميّة 4 آلاف قنطار بارود ومجموعة من البنادق والمسدسات، وجلها مازال محفوظا بالمتحف العسكري الوطني إلى اليوم، وتواصل هذا الأمر مع فترة حكم مـحمد الصادق باي، وفيها ارتفعت قيمة الشّراء في الإيالة نوعًا ما عن الفترات التي سبقتها من خلال تزايد الطلب للعتاد والأسلحة، فاستوردت الإيالة من فرنسا سنة 1863م 10 آلاف بندقية سانت إتيان[6].
ما نلاحظه هنا أن البايات الحسينيّون دأبوا على شراء الأسلحة والعتاد الحربي من أوروبا. وعند قيامنا بعملية الجرد لمجموعة الأسلحة التي شارك بها الجيش التّونسي في حرب القرم وجدنا أن معظم هذه الأسلحة تحمل شارات تعرف بهويتها، وهي ذات هوية فرنسية (سانت إتيان، موسكوتون، Tull)، لكن عند دراستنا لهذه الأسلحة لاحظنا أن أغلبها ينتمي إلى فترة متقدمة من تاريخ استعمالها أي، ما يقارب 30 سنة من تاريخ صنعها، وهذا يعني أن جلّ هذه الأسلحة هي قديمة وقد وقع استعمالها واستنفدت صلاحيتها وتم إيجاد بدائل لها، فعند تجاوزها تقنيا ومعرفيّا وبحثيا يقع بيعها أو إهداؤها إلى البلدان المستهدفة بالاستعمار خاصة بعد استعمار الجزائر[7]، هذا التفوق العلمي التكنولوجي العسكري للدول الأوروبية مهد لها الطريق إلى جانب عوامل أخرى من أجل احتلال أغلب الدّول الإفريقية.
لم يقتصر تسليح العساكر التّونسية التي شاركت في حرب القرم على الأسلحة النارية والخفيفة فقط بل هناك مخزون تراثي هام من الأسلحة البيضاء يعنى بهذه المساندة، وبالرّغم من التطور العسكري الذي شهدته الإيالة أثناء القرن التاسع عشر إلا أنّها حافظت نوعا ما على الأسلحة البيضاء، حيث نجد السّيوف والرّماح والفؤوس والتي تعد من أقدم الأسلحة. هذا إضافة إلى مجموعة كبيرة من الحراب[8] المركبة على مقدمة البندقية.
بعد تقديمنا لهذه اللمحة نتبيّن القيمة التّاريخية والتّراثية الهامّة لقطع الأسلحة التي تهم مشاركة البعثة العسكرية في حرب القرم والتي سنقوم بإبرازها في الجدول التّالي، وغايتنا من ذلك هو إبراز أهميتها وفاعليتها في التراث الوطني بشكل عام والتراث العسكري بصفة خاصة. فالمؤسسة العسكرية عملت جاهدة للمحافظة على هذا الإرث الوطني باعتباره شاهدًا على “ملحمة “من ملاحم الجيش التونسي، ويبرز ذلك من خلال مجموعة المعروضات وكيفية تعاملهم مع القطعة والتحكم في الإطار المناسب للعرض، وهي قاعة القرن التّاسع عشر والتي تسع الآلاف من القطع المعروضة بمختلف الأشكال والأصناف قصد تخليد عمل بطولي مازال الكثير من التّونسيين يجهلونه. فاختارت المؤسسة العسكرية جزء من هذا التراث لكتابة التّاريخ في حين ظلّ جزء كبير منه في المخازن.
جدول إحصائي يبرز مجموع أسلحة حرب القرم بالمتحف العسكري الوطني
(عرض وخزن والأسلحة التي بصدد الترميم و القطع المتآكلة والبلد)
اسم السلاح | المعروض | المحفوظ | قيد الترميم | البلد | المجموع |
بندقية الخيالة (Mousqueton de cavalerie) | 15 قطعة | 10 قطع | 4 قطع | فرنسا | 29 قطعة |
بندقية الخيالةP.M Mousqueton d’artillerie) | 307 قطعة | 260 قطعة | 70 قطعة
7 قطع متآكلة |
فرنسا | 644 قطعة |
بندقيةSaint-Etienne | 274 قطعة | 1589 قطعة | 3000 قطعة | فرنسا | 4863 قطعة |
Fusil tulle modèle 1841 | ـــــــ | 4 قطع | قطعة واحدة | فرنسا | 5 قطع |
Vignole de Marseille modèle 1760 | 6 قطع | 11 قطعة | 51 قطعة
1 متآكلة |
فرنسا | 69 قطعة |
مسدس الخيالة Révolver A barillet | 283 قطعة | 108 قطعة | 28 قطعة
1 متآكلة |
إيطاليا | 420 قطعة |
مسدس الحرس الملكيDe cavalerie MLe 1822 | 176 قطعة | ــــــــ | 100 قطعة | فرنسا | 267 قطعة |
فأس من الحجم الكبير | 42 قطعة | 79 قطعة | ـــــــــ | عثماني | 121 قطعة |
فأس من الحجم الصغير | 2 قطع | ـــــــ | ــــــــ | عثماني | 2 قطع |
رمح | 17 قطعة | ــــــ | 16 قطعة | عثماني | 35 قطعة |
حربة عادية لبندقية Saint-Etienne | 470 قطعة | 620 قطعة | 4080 قطعة
13 متآكلة |
فرنسا | 5183 قطعة |
حربة لولبية | 5 قطع | ــــــــ | ــــــــ | ــــ | 5 قطع |
سيف الخيالة من الحجم الصغير | 256 قطعة | 80 قطعة | 23 قطعة | عثماني | 359 قطعة |
سيف الخيالة من الحجم الكبير) | 318 قطعة | ـــــــ | 453 قطعة | عثماني | 771 قطعة |
II- الأزياء العسكرية
بعد تغيير لباس الجيش الانكشاري وتبديله على يد مصطفى باشا[11] انحطت مرتبة الإنكشارية حيث وقع تغييرٌ في لباس الجند النظامي، وأول من ارتدى “الخلعة النظاميّـة “[12] هو أحمد باي. وشمل تغيير الأزياء العسكرية كلّ الرّتب من الأعلى إلى الأقل رتبة في الجيش، ولم تكن في الغالب ملائمة خاصة للجنود الذين كانوا يرتدون أزياء ضيقة تشلّ حركاتهم[13]. وكانت خزينة وزارة الحرب تفتقر إلى مجموع اللّباس العسكري، ذلك أن الجندي كان يرتدي لباسه حتى يفقد اللون الأصلي من كثرة الاستعمال، وكانت ممزقة على مستوى الأطراف ومرقعة[14]. ولا ينحصر هذا الأمر على اللباس فقط بل شمل أيضًا الشّواشي والتي كانت بالية، هذا إضافة إلى الأحذية الطويلة الثقيلة والتي أصبحت لا تطاق وذلك بسبب انعدام الجوارب والواقيات التي وقع الاستغناء عنها[15].
أدخل أحمد باي تغييرًا في اللباس العسكري تقليدًا للتنظيم الأوروبي الذي يهم الجيش لكنّه حافظ نوعا ما على بعض الخصائص في الزّي، ويظهر ذلك على مستوى القبعة التّركية التي تكون عادة مزينة بصفيحة، وهي خاصة بجنود المدفعية والخيالة، فتتغير الألوان وتختلف بين أصناف الجند، فكان اللون الأزرق ميزة لجنود الخيالة، في حين يرتدي جنود المشاة اللون الأحمر، وفي بعض الأحيان تختلط الألوان بين الطّرفين[16].
كساء العسكر كان يتأتى من المرتب الذي يتقاضونه الجنود آنذاك، وكان يتغير حسب الفصول ومستوى القماش بين فئات الجيش، مثلاً من أمير الأمراء إلى أمير آلاي، أو من القائم مقام إلى الصاغ وعمومًا يحتوي لباس الجندي على كساء كامل من الملف، نصف معطف، قميص، شاشية، شملة، كشطة، جرائب جلد وحذاء[17].
يتكون من كساء كامل ونصف معطف وقميص وشملة، تتمثل شارة أمير اللواء في علامتين متقاطعتين وسيف في إطار يشبه الذي لدى الفريق، وأيضا شارة تشبه شارة الفريق (أمير الأمراء) مغلقة بالشيشخان[18]. ولم ينحصر موروث هذه المشاركة التّونسية في حرب القرم في هذه الجوانب فقط بل يوجد مخطوط أصلي يعود إلى تلك الفترة.
III- المخطـــوط
يحتفظ المتحف العسكري الوطني بمخطوط أصلي يعود إلى فترة المشاركة التّونسية في حرب القرم 1854م ـ 1856م، وقد وقع تحقيقه من قبل الدّكتور الشيباني بن بلغيث[20]، حيث ورد هذا المخطوط في شكل مذكّرات محارب تعنى بالبعثة العسكرية الثالثة المشاركة في الحرب، وقد كتبه ضابط من سلاح الخيّالة[21] أثناء مشاركته في حرب القرم، وهو يصف الرّحلة الطويلة والتي سماها بــ”الرّحلة العجيبة “، ويؤكد أنّه لم يكتب هذه المذكرات افتخارًا بما قام به في هذه الرّحلة بل رغبةً منه في إطلاع أصحابه وأقاربه على ما شاهده في رحلته الطويلة العجيبة”[22]. فالمؤلف يريد أن يقرب الصورة بكل الوسائل للقارئ خاصة إذا كان لم يسبق لأحد من بلاد المغرب زيارة هذه المناطق.
هذا الصنف من الكتابة غير دارج من قبل لدى التّونسيين لم يتعرض المؤرخون أو الباحثون لمثل هذه الكتابات، فتناولنا لهذا المخطوط وتحليله هو في الواقع تأريخ للأحداث والمواجهات العسكرية التونسية في مواقع الحرب باعتباره يمثل موروثا ثقافيّا عسكريّا من واجبنا حمايته وتثمينه لأجيال الحاضر والمستقبل.
فما هي الفكرة العامة لهذا المخطوط؟ وما هي رمزيّته؟
المخطوط عبارة عن توثيق لعيّنات من الحياة اليومية التي مرّ بها الجيش التّونسي خلال مشاركته في حرب القرم، فهو يمثل مذكّرات محارب أطلق عليها المؤلف تسمية “كتاب المجاهدين في الإسلام”[23]، وفيها يصف مسيرة جزء من هذه البعثة العسكرية لمدة سنة كاملة بين 25 شوال 1270هــ إلى نهاية ذي الحجة سنة 1272 هـ ( 1854 م ـ 1856 م)، وفيها تقريبا وصف كلي للحركة المشاهدة (كيف دخلوا وكيف خرجوا وركبوا ونزلوا… وكيفية نصب الخيام)، ومن خلال وثائق السفر للبعثة أثبت أنه محرّر هذا المخطوط، وهو ضابط برتبة ملازم كان من ضمن البعثة، ومن صنف فرقة الخيالة بقيادة أمير آلاي فرحات صاحب فكرة المخطوط[24].
ورد هذا المخطوط في شكل كتاب يحتوي على 99 صفحةً من الحجم المتوسط، كُتب بالخط الأسود تصعب نوعا ما قراءته والحالة التي هو عليها جيدة. ولم يضع المؤلف عناوين أو أجزاء لهذا المخطوط، إلا أنّه وقع إدراج عناوين في التّحقيق وذلك للتّوضيح[25]، فتم تقسيمه إلى سبعة فصول كبرى مع مقدمة يبرز فيها المؤلف في صفحتين الهدف من التأليف قصد إطلاع المتقبل والقارئ على رحلة الجيوش التّونسية إلى مواقع الحرب[26].
تعكس هذه المذكرات المستوى الفكري لدى المؤلف خاصة والفرقة العسكرية عامة، وهي فكرة حديثة تبرز مدى الإحساس بالتّاريخ لدى الجيش التّونسي. إلاّ أن أهميّته العسكرية ذات درجة أولى وذلك من خلال إبراز كلّ ما يهم الجند من التّجهيز والتحصين والتنقل والاستعداد للحرب وصعوبة التلاؤم مع التّضاريس والمناخ والظروف الصحية الصعبة التي عاشها الجندي التّونسي…[27].
فالمخطوط إذن هو تأريخ للبعثة العسكرية التّونسية وللظروف والمصاعب التي مرت بها، وبالتالي فهو يرمز إلى بداية تشكل الجيش التّونسي وبداية بروز الهويّة الوطنيّة الخاصة به، فالجيش يعتبر حامل بصمات التّونسة من خلال الزّي والإمكانيات (العتاد والتجهيزات) والشخصيّة.
IV- اللّوحات الفنية
لا يقتصر المخزون التراثي المتبقي من حرب القرم على الأسلحة أو الأزياء العسكرية أو المخطوطات بل احتوى أيضًا مجموعة من اللوحات الفنية الزّيتية التي تخلد ذكرى عودة الجيش التّونسي من حرب القرم، فالمتأمل في اللوحات الزيتيّة للرّسام التّونسي أحمد الفقيه يلاحظ التنظيم العسكري المحكم إثر استقبال الجنود التّونسيين العائدين من الحرب.
لوحة زيتيّة على قماش للرّسام التّونسي أحمد الفقيه في أوائل التّسعينات معروضة بالقاعة الحسينيّة،
بالمتحف العسكري الوطني.
تبين اللّوحة الفنّية كيفيّة استعراض الجيش التّونسي العائد من حرب القرم بمختلف أصنافه أمام مـحمد باي قبالة قصر التّاج بالمرسى في موكبٍ احتفاليّ تبرزه حركة الخيل والجنود، وأتقن الرّسام تحكمه في فضاء الرسم، من خلال التّوازن بين حركة الجنود والمباني باعتماده على تقنية المنظور.
محاولة منا في الكشف عن جزء صغير من المعلومات حول هذه المشاركة ارتأينا الاطلاع على التراث العسكري الخاصّ بمشاركة البعثة العسكريّة التّونسية في حرب القرم، وهو ما أحالنا على أن الإيالة التّونسية، ورغم ولائها لراية السّلطنة العثمانية إلا أنها ارتأت شراء الأسلحة من فرنسا آنذاك. ويظل هذا التّراث بفعل الحدث الذي شارك فيه تراثًا يحمل في ثناياه رمز الهويّة التّونسية.
خاتمــة
تتجلى اليوم ذاكرة المشاركة التّونسية في حرب القرم من خلال مجموعة من القطع التّراثية والتي تمثل شاهدًا على تلك المساندة، ويتمثل جلّها في الأسلحة الفرنسية، وقد أحالنا ذلك على أنّ الإيالة التّونسية سعت إلى شراء الأسلحة من فرنسا آنذاك، ويدخل هذا ضمن بداية التّخطيط للخروج من نفوذ الإمبراطورية العثمانية ودخول العلاقات الفرنسية آنذاك في مرحلة جديدة ستمهد بعد ذلك إلى توقيع اتفاقية “الحماية” ودخول المستعمر الفرنسي للبلاد التونسية غزوها.
لم يبق من هذه الحرب غير ذاكرة دوّن بعضها في مخطوطات ولوحات فنية تؤرخ لذكرى عودة العساكر التّونسيّة من هذه الحرب في موكب احتفاليّ، وأزياء عسكرية مازالت إلى الآن تحت غبار النّسيان، ويزخر المتحف العسكري الوطني والمخازن التابعة له بالأسلحة التي تعود إلى هذه المرحلة. وتمثل هذه المقالة محاولةً منا لكشف الغطاء عن هذا التراث العسكري الذي مازال جزء كبير منه مجهولاً من قبل الباحثين في التّاريخ العسكري وذوي الاختصاص من العسكريّين. ولعل تخصيص إطار خاص بهذا الإرث يكشف عن مكانة هذه المشاركة على المستوى العالمي باعتبارها محطّة من المحطات المهمة في تاريخ تونس الحديث، كما كان هدفنا من الخوض في هذا الموضوع التعريف أكثر بهذا الموروث العسكري الثّقافي وإعادة إحياء ذاكرة هذه المشاركة.
الهوامــش والإحالات:
[1] دالي (حمادي)، المشاركة التونسية في حرب القرم 1854 ـ 1856م، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة، إشراف خليفة شاطر، جامعة تونس الأولى، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 1995، ص 180.
[2] المجلة التونسية للتاريخ العسكري، عدد 1، أفريل 2008، ص. 23 .
[3] حمودي (حنان)، الأسلحة أنواعها واستعمالاتها في الإيالة التونسية القرن (XVIII – XIX)، رسالة لنيل الدراسات المعمقة في تاريخ وحضارة العالم المتوسطي، إشراف الأستاذ، جمال بن الطاهر، جامعة منوبة 2003ـ 2004، ص 105 .
[4] حمودي، المرجع السابق، ص 106 .
[5] ـ Venture de Paradis,Tunis et Alger aux XVIII siècle, Mémoires et observations rassemblés et presentés par Joseph Cuoq, Ed Sindbad, Paris, 1983, P. 272 – 273, note de bas de page n° 36 .
[6] أ. و. ت، س . ت، صن 17، مل 914، وث74 .
[7] – Kraiem (M), La Tunisie précoloniale, Tunisie, STD, 1973, p219- 220.
[8] ـ الحربة: وهي أداة شبيهة بالسكين وشفرتها ذات متن منشاري، قديمة الصنع وشهدت تغييرات كثيرة حسب حاجة الإنسان إليها، والغاية من استعمال الحربة في الأساس هي سلاح ثانوي يمكن استخدامها بعد ما تكون البندقية أو المدفع قد استنفد طلقاته، الموسوعة المصورة لأسلحة المشاة في العالم، المجلد الأول، الأسلحة الخفيفة، ص. 255.
[9] قاعة القرن التاسع عشر:((17) دار الضياف، (18) دار الضياف)، معروضات تتمثل في الأسلحة بمختلف أصنافها( أسلحة نارية وأسلحة بيضاء).
القاعة الحسينية ((6) بيت المعونات): معروضات تتمثل في لوحات فنية وأزياء عسكرية. [10]
[11] بن سلامة (مـحمد الطيب)، العقد المنضد بأخبار مولانا المشير أحمد ، مخطوط محفوظ بالمكتبة الوطنية، ورقة 58 ب.
[12] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[13]– Ganiage (Jean), Les origines du protectorat français en Tunisie (1861 – 1881), Tunis, Maison Tunisienne de l’Edition, 2ed., 1968, p 110.
[14] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[15] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[16] بن بلغيث (الشيباني) ،الجيش التونسي في عهد محـمد الصادق باي (1859 ـ 1882)، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي المعلومات (متبعم) زغوان ـ صفاقس، نوفمبر 1995، ص. 183 .
[17] المرجع نفسه، ص. 162.
[18] ـ هذا الزي العسكري معروض بمدخل القاعة الشرفية للمتحف.
[19] ـ المتحف العسكري الوطني، قصر الوردة، وزارة الدفاع الوطني، إ.ع.إ.إ.ث ـ تونس 2003، ص. 88 .
[20] ـ بن بلغيث، أضواء على مشاركة الجيش التونسي في حرب القرم 1854 ـ 1856م، نشر وزارة الدفاع الوطني ـ إ.إ.إ.ث ـتونس، تونس 2003، ص 79 ـ 153 .
[21]ـ المؤلف هو صاحب المخطوط وهو برتبة عقيد من عسكر الخيالة.
[22] ـ بن بلغيث، أضواء…، ص 39 .
[23] ـ بن بلغيث، أضواء …، ص 47 .
[24]ـ مصطفى بن محمود أرناؤوط الحنفي، وثبت هذا الاسم أنه ضابط برتبة ملازم رافق عسكر الخيالة الدفعة الثالثة لحرب القرم، وورد في القائمات من ضمن الضباط الزوايد، وربما يكون من المتطوعين دون المطلوبين أو المعينين للحرب بشكل رسمي، انظر بن بلغيث، مرجع سابق، ص 153.
[25] ـ نفس المرجع، ص 39 .
[26] ـ نفس المرجع والصفحة .
[27] ـ بن بلغيث، أضواء…، ص 19.
المصادر والمراجع:
- الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية.
- بن سلامة (محمـد الطيب)، العقد المنضد بأخبار مولانا المشير أحمد، مخطوط محفوظ بالمكتبة الوطنية.
- بن بلغيث (الشيباني) ،الجيش التونسي في عهد محـمد الصادق باي (1859 ـ 1882)، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي المعلومات (متبعم) زغوان ـ صفاقس، نوفمبر 19
- بن بلغيث، أضواء على مشاركة الجيش التونسي في حرب القرم 1854 ـ 1856م، نشر وزارة الدفاع الوطني ـ إ.إ.إ.ث ـتونس، تونس 2003.
- دالي (حمادي)، المشاركة التونسية في حرب القرم 1854 ـ 1856م، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة، إشراف خليفة شاطر، جامعة تونس الأولى، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 1995.
- حمودي (حنان)، الأسلحة أنواعها واستعمالاتها في الإيالة التونسية القرن (XVIII – XIX)، رسالة لنيل الدراسات المعمقة في تاريخ وحضارة العالم المتوسطي، إشراف الأستاذ، جمال بن الطاهر، جامعة منوبة 2003ـ 2004.
- المتحف العسكري الوطني، قصر الوردة، وزارة الدفاع الوطني، إ.ع.إ.إ.ث ـ تونس 2003.
- “المجلة التونسية للتاريخ العسكري”، عدد 1، أفريل 2008.
- “الموسوعة المصورة لأسلحة المشاة في العالم”، المجلد الأول، الأسلحة الخفيفة.
- – Ganiage (Jean), Les origines du protectorat français en Tunisie (1861 – 1881), Tunis, Maison Tunisienne de l’Edition, 2ed., 1968
- – Kraiem (M), La Tunisie précoloniale, Tunisie, STD, 1973.
- – Venture de Paradis, Tunis et Alger aux XVIII siècle, Mémoires et observations rassemblés et presentés par Joseph Cuoq, Ed Sindbad, Paris, 1983.