بمناسبة ذكرى الاحتلال الفرنسي، مراسل “التّايم”: الجيش الفرنسي قتل الأطفال وألقى بالجنود التونسيّين في البحر  

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلـم: مصطفى الستيتي

 

في العدد الصادر بتاريخ 15 ماي 1881م من جريدة “وقت” العثمانية أوردت الصحيفة شهادة لمراسلها في تونس خلال الأيام الأولى للغزو الفرنسي للبلاد. وقد كان يلبس اللّباس التّونسي المحلي الذي يلبسه أهالي البلاد بطلب من ولي عهد تونس علي باي المسؤول عن الجهة الشمالية من البلاد، وحسب ما ذكر المراسل فإنّ علي باي طلب منه ذلك لكي يكون في أمان أكثر. وقد نقل لنا هذا المراسل صورة عن الوضع في عدد من المناطق الشمالية التي توجد بها عشائر خمير مثل طبرقة وسوق الأربعاء (جندوبة حاليا) والكاف والممارسات الفرنسية بحق الأهالي. وقال المراسل إن الجيش الفرنسي عاث في مزارع الأهالي فسادًا، وأطلق فيها الخيول والدّواب لتخريبها، ومنع الناس من جلب الماء من أحد الأنهار وأطلق الرّصاص حتى على الأطفال، كما أنه في مدينة طبرقة عمد إلى الجنود التونسيين فألقى بهم في البحر ليموتوا غرقًا وجريمتهم أنهم رفضوا السّماح لهم بالنّزول من سفنهم إلى البرّ.

 

ونفى المراسل ما زعمته القُوات الفرنسيّة من أنّ عشيرة خمير هي التي بدأت بمهاجمة القوات الفرنسية على الحدود التّونسية الجزائرية في بتاريخ 31 مارس، ثم اتّخذت هذا الحادث ذريعة وشرعت فعليا بعد ذلك في اجتياح البلاد. وقد قمت بترجمة المقال وأترك للقارئ معرفة التّفاصيل بلسان مراسل يعتبر محايدا إلى درجة كبيرة في نقله للأحداث:

 

“لقد استقبلي سيّدي علي بك بكلّ حفاوة، ومن أجل توفير مزيد من الأمن لي طلب منّي، بل وأصرّ بأنّ ألبس الزّيّ العربيّ. في الخامس والعشرين من أفريل توجّهت نحو الحدود، ورأيت ثكنتين للجيش الفرنسي، وكانت خيول الجيش الفرنسي ودوابّه ترعى في مزارع عشيرة خمير فتركتْها قاعًا صفصفًا. أمّا هذه العشيرة فإنها، وبطلب من الوالي الصادق باشا امتنعت عن المقاومة وانسحبت إلى الخلف. والعشيرة المذكورة لم تمسّني بمقدار ذرة من الأذَى. ولقد لاحظت أنّ أهالي العشيرة المذكورة تلقوا أوامر الوالي بالقبول. أمّا الهجوم الذي حدث في الحادي والثلاثين من شهر مارس فقد تأكد أنّه لا يد لعشيرة خمير فيه على الإطلاق.

 

وكان الجنود الفرنسيون المتمركزون بجانب أحد الأنهر ينهرون الأهالي عندما يأتون لجلب الماء، بل إنّهم كانوا يُطلقون النار على الأطفال. وعندما اشتكى أهالي خمير للوالي أبلغ الجنرال سليم الأهالي بأنّ الوالي سوف يرعاهم ويهتم بهم، وأمر أهالي العشيرة بالانصراف.

 

لقد رفض القائد العسكري التّونسي في طبرقة رفضا قاطعًا دخول الفرنسيين، وعند رجوعي من هناك رأيت الفرنسيين يواصلون تخريب مزارع أهالي عشيرة خمير، وعندما سمعت أصوات البنادق هرعت إلى المكان. كان الفرنسيون قد تراجعوا لمسافة 3 أميال بسبب النيران التي يطلقها أهالي خمير بعد أن كانوا تقدّموا لمسافة 12 ميلا.

 

كان الفرنسيّون يتحركون ضمن فرق عسكرية، أما أهالي خمير فقد اتخذوا من الجبال بيوتًا وجهّزوا أنفسهم بالبنادق، وكانوا لا يتوقّفون عن إطلاق النيران وتصويبها نحو الفرنسيّين. وكل عربيّ معه نحو 30 خرطوشة، وهم بارعون في تعمير بنادقهم بسرعة. ولا يُعرف بالتحديد عدد المقاتلين من العرب، بيد أن الملاحظ وجود مقاتل وراء كل حجر أو شجر. وواضح أنهم يهمزون بين بعضهم البعض بأنّ الوالي يتساهل مع الفرنسيّين في ما يرتكبونه من تجاوزات. ويقول أهالي عشيرة خمير إنّ وظيفتهم حماية حدود البلاد، وأنهم معفيّون من دفع قسم من الضرائب.

 

وعندما رفض القائد العسكري التونسي إنزال القوات الفرنسية إلى البرّ شرع الفرنسيون في ضرب طبرقة بالمدافع، وبسبب ذلك حدثت خسائر كبيرة في الأرواح في الجيش التونسي الذي كان متمركزا هناك وعددهم نحو 400 فرد، ويقال إن عددًا من هؤلاء تمّ رميهم في البحر فماتوا غرقًا.

وهناك نحو 800 فرد من الجيش الفرنسي كانوا يتحركون على امتداد خط الحديد الذي بنته إحدى الشركات الفرنسية، وقد وصلوا إلى منطقة سوق الأربعاء (جندوبة حاليا) التي تبعد عن مدينة تونس مسافة 120 ميلا. ونظرا إلى التّهديد الذي يواجهه الفرنسيون على المناطق الحدودية فقد تمركز عدد من الجنود في منطقتي وادي مليز وسيدي مسكين.

 

وبتاريخ 28 من شهر أفريل اتجه ولي العهد علي باي ليلاً من منطقة بن بشير إلى سوق الأربعاء. ويعتقد على نطاق واسع في تونس أنّ الدول الأوروبية سوف تتدخل في المسألة التونسية، كما أن الوالي الذي بلغته أخبار بأنه سوف يتم تعيين صاحب الأبّهة حضرة خير الدين باشا واليا على تونس جعلته يفكر مليّا في الاتصال بدار السعادة لجَلاء الموضوع.
ووفقا للأوامر التي وصلت للوالي من الباب العالي فإنّ قبول أيّ اقتراح من الفرنسيين أو رفضه يجب أن يكون منوطًا بقرار من جانب الحكومة العثمانية، كما تم تنبيهه إلى ضرورة أن لا يُوصل الموضوع إلى درجة تقديم شكوى إلى الدّول الصديقة.

 

وبتاريخ الـــ26 من شهر أفريل وصلت معلومات مفصّلة بخصوص استيلاء الجيش الفرنسي على مدينة الكاف. وقد هدّد الفرنسيون بدك المدينة بالمدافع، فاحتج محافظ البلدة وترك المحل المذكور، فدخل الفرنسيون قلعة الكاف بمدافعهم وركزوا فيها نحو 1500 من الجنود. وبتاريخ الــ28 من شهر أفريل أحاط الفرنسيون بمقر جيش ولي العهد علي بك من كل مكان، فرجع ليلا إلى منطقة بن بشير بجوار سوق الأربعاء التي يوجد بها مقر جيش الجنرال الفرنسي لوجيرو. وقد التقى علي باي بالقائد الفرنسي إلا أنه لم يستقبله الاستقبال الذي يليق به، فاشتكى من ذلك وطلب منه مغادرة المكان، بيد أن علي باي رفض ذلك واتصل بالوالي يستأذن منه الرجوع إلى تونس. وكان الوالي منشغلا بأمور الحكومة بشكل عاديّ. وبالرغم من الغليان الذي كان يجتاح تونس إلا أن الأمن مازالا مستتبّا.

 

كان الفرنسيون بقيادة كل من الجنرال فوركمول والجنرال ويسندون يحاولون السيطرة على جبال خمير، غير أن عشائر هذه المناطق كانت تقاوم بشجاعة وبسالة”.

 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet