فعلاً يا بني، إنه رغيف خبز. لماذا أنت مندهش؟ ألست متأكّدًا أنه رغيف خبز. اعذرني إنّه محترق قليلاً، ولكنّه حتما سيسكت جُوعك و يكفكف دمعك. بني قل شيئًا. هل أنت مصدُوم ؟ ألست واعيًا إلى حدّ هذه اللحظة أنّ هذا الشيء الذي أحمله هو رغيف خبز؟ اعذرني فهو غير ساخن، ولكنّني أظنه لذيذ جدّا.
لا بأس إن كان عمره يومان أو أكثر، لماذا زاغت عيناك أمامه هكذا؟ ألست مصدقًا أنّه رغيف خبز؟ اعذرني سأنزع منه هذه المساحة الخضراء التي أصابها العفن ونأكل الباقي. لا تقلق يا بني إن جاءت الشّرطة وأودعتني السّجن. أتدري لماذا؟ لا لا تبك يا بني فأبوك سيدخل السّجن لأنه سرق هذا الرغيف من القمامة.
تحدّث يا بني، قل شيئًا. لا تجعل صمتك سوطًا ينهال على ظهري. ألم يعجبك رغيف الخبز؟ لا تخف، لن تأخذني الشّرطة إلى السجن. لم يرني أحد أسرق الرّغيف من القمامة. بني ألم تستوعب بعد أنّك أكلت خبزا مزوقًا بالعفن؟ لا تقل لي أنك تذكرت أمّك؟
أتذكر يا بني ذاك اليوم الذي فارقتنا فيه؟ آسف بني لم أقصد إفساد لذّة الخبز بمرارة الفقدان. أتذكر ذاك المطر الذي هطل غزيرًا حين أغلقت الباب فجرًا نحو الحقول الفسيحة. أتذكر تلك القبلة التي طبعتها على جبينك ختما للآخرة التي استقبلتها بعد حين. أتذكر يا بني تضاريس يديها الوعرة حين تمرّ على رأسك مهدهدةً فتخدشك. عذرًا بني. سأقاسمك البكاء لأنّني تذكرت ذاك المشهد المهيب. باب كادوا يحطمونه ليسوقوا لنا الخبر الحزين. هرولة بين الفيافي والقفار دون أن نعي للمطر دورًا.
اقتربنا من النهاية التي طالت أمّك. أتذكر يا بنيّ؟ أمك ماتت في حادث سير. لم تذهب هناك وحيدةً يا بني، فقد رافقتها نساء أخريات شاركنها الرّحلة. ماذا قلت يا بنيّ؟ أنت لم تعرف بعد ماهية الرّحلة التي أخذت من كوخنا قبس النّور. سأخبرك الآن بعد هذه السّنين. كن صلدًا يا بني كما الجبال التي تحضننا. تقبل مني الخبر دون جزع فأمّك كانت تطعم الوطن لتأكل أنت العفن.