بقلـم: ياســر حارب
عندما بحثتُ عن معنى التفاؤل، وجدت أن الطريق المؤدية إليه هي البساطة، ولا أعني بها سطحية التفكير، ولكنّ البساطة في التعاطي مع الحياة من حولنا، فعندما يستطيع الإنسان أن يحقق البساطة في حياته، فإن ذلك سيعينه على ترك القلق، حتى ولو لسويعات قليلةٍ.
لا شكّ أن النّاس أجناس مختلفة، ولكل واحدٍ منهم أطباعه التي تميزه عن الآخر، فهناك من يحبّ أن يضع كلّ شيء في مكانه الصحيح، وهناك من يشكّل الوقت في حياته هاجسا كبيرًا فتجده ملتزمًا به إلى أبعد الحدود، وهناك الفوضويّون الذين لا يهمهم ما يجري في العالم من أحداث طالما أنّهم جزء من أي فوضى تمر بهم، وهناك البليدون الذين لا يشعرون بصخبِ الحياة من حولهم… إلى آخر ذلك من صفات البشر.
أمّا البسطاء فعلى الرّغم من أنّ أكثرهم لا يملك من متاع الحياة شيئا، إلا أنه يبقى مثارًا للحسد بين أفراد المجتمع. فالبسطاء لا يهمهم الوقت، ولا تهمهم الفوضى، وحتى النظام يعد في عرفهم “شيئا” من أشياء الحياة الكبيرة الممتدة أمامهم.
والبسطاء لا يغضبون كثيرًا، ولا يفرحون كثيرا أيضًا، فمهمتهم في هذه الحياة هي أن يقوموا بواجباتهم على قدر طاقتهم. ثم يستمتعوا بجمالياتها ويتفاعلوا مع معطياتها أيّا كانت، ثم يرحلوا عنها في سلام.
لا يحب البسطاء الأضواء، ولا يشعرون بالحاجة إليها، فالضّوء المنبعث في داخلهم يكفيهم، ويشعرهم بأنهم أهم من يعيش على الكرة الأرضية دون أن يصيبهم ذلك بداء الغرور. والبسطاء أيضًا ليسوا بحاجة ماسة إلى المال، فعلى الرغم من أن غالبيتهم لا تمتلكه، إلا أن حبهم له نابع من غريزتهم البشرية وليس من غريزتهم الحيوانية.
البسطاء عادة متفائلون، يرون الحياة بمنظار مختلف، لا يعرفه المعقدون والمسؤولون والأغنياء والمفكرون وغيرهم إلا عندما يتناولون أدويتهم النفسية، التي أكد لهم الطبيب مرارًا أنها لفترة مؤقتة فقط، ولا تلبث السنون أن تمضي حتى تتحول أمراضهم النّفسية إلى أطباع راسخة في شخصياتهم. إنّ البسطاء يرون الجمال في كلّ شيء، حتى في القبح، يرونه على أنه ذوق آخر من الجمال يناسب غيرهم من الناس.
إن التفاؤل صفةٌ ملازمة للبسطاء، فحتى عندما يدخلون المستشفى للعلاج، فإنّهم يحمدون الله ألف مرّة على وجود مستشفى في المكان الذي يعيشون فيه، ثم يحمدونه ألف مرة أخرى عندما يخرجون منه ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية، حتى وإن كان ذلك بمرضٍ مزمن. ولأنهم متفائلون فإنهم يعمرون طويلاً، فكلّ ما يشغل الناس لا يشغلهم، فلا هم مهتمون بنشرات الأخبار، ولا هم مهووسون بأسعار العملات والأسهم، ولذلك، تراهم يضحكون عندما يبكي النّاس، ويفرحون حتى عندما يحزن الناس.
فالبسطاء لا ينظرون إلى الأشياء من حولهم نظرة المتملّك، ولكنهم ينظرون إليها نظرة المستمتع. الفرق بينهما أن المتملك يرى أن السيارة الفارهة على سبيل المثال يجب أن تكون من حقه، فتجده يقضي حياته ساعيا للحصول عليها، أما المستمتع، فإنّه يشعر بنشوة كلما مرت تلك السيارة من أمامه، فيصفها لأصدقائه وأسرته وكأنها سيارته هو دون أن يشعر بوخزة في صدره تجاه من يملك تلك السّيارة.
البسطاء لا يخافُون من العين دائما، ولا يستنكفون عن مدح الأشياء من حولهم والحديث عما يملكه غيرهم بإعجاب وسعادة، فهم معفيّون من ضريبة الغيرة والحسد، وما في قلوبهم يترقرق على ألسنتهم دون أن يمنعه حاجز الكبرياء.
البسطاء بشرٌ مثلنا، يحملون ويفرحون وينجحون ويفشلون ويحزنون، ولكنّهم لا يقفون عند منعطفات الحياة هذه التي يقف عندها معظم البشر. فأحلامهم تتناسب مع حياتهم، أمّا طموحتهم، فإنّها لا تتعارض مع طموحات الآخرين، وبالتالي، فإنهم يفرحون إذا ما حقّقوا تلك الأحلام، أو إذا ما حققها أحدٌ آخر غيرهم، فهم يؤمنون بأن الأرزاق والفرص موزعة بين الناس بالتّساوي. أما الفرحة لديهم فإنها طبيعة بشريّة، جبلوا عليها ونشأوا على التّعاطي معها في كل يوم. وأيّ شيء غير الفرح يعتبرونه حالة شاذة، تمرّ على حياتهم ولكنّها لا تعصف بها.
البسطاء يرون البساطة في كلّ شيء، فحتى التكنولوجيا التي تطغى عليها صفة التّعقيد، يجدونها قد بسطت التّواصل بين البشر وجعلتهم أكثر قربًا من أحبائهم.
والبسطاء يتعاطون مع الحياة كما هي، دون أن يضيفوا عليها تعقيدات البشر وتدخّلاتهم التي تفسد حلاوتها وتحيلها إلى ساحة معركةٍ، ويكفيهم في المدّة القصيرة التي يقضونها في هذه الدنيا، أن يضيفوا جوًّا من السعادة والفرح من حولهم، حتّى في أحلك ساعات الظّلام والحزن فإنّهم يشكرون الله لأنّه أمدّهم بالصحة والعافية… ويشكرونه أيضًا لأنّه منحهم الفرصة كي يعيشوا على وجه الأرض.
المصـــدر: كتاب “بيكاسو وستاربكس، ص. 137-141.