بقلـم: نبيــل الصالحي
أخبرني أحدهم أنه عاشق لعلم الحيل الهندسية ويتفادى دائما الدّخول في ما لا يعنيه من حيل أخرى، فالحيلة في ترك الحيل، وأهل كلّ حيلة أدرى بشعابها. ولكن عشقه للمطالعة منذ الصّغر يجعله يطالع بعض الحيل خلسةً، فيغلق بابه لكي لا يُتهم بالتّعالُم وتجاوز الخطوط الحمراء خلسةً بلا جواز سفر، والتّطاول على هذا الاختصاص أو ذاك، لذلك يستتر.
قلت: للأسف يا أخي نحن في زمن تشتّت فيه الوطن، وتقسّم إلى أوطان، وتفتت فيه العلم إلى علوم والمعرفة إلى معارف، ورُسمت فيه الحدود لكي لا يتجاوز كلّ مواطن شبه حرّ حدوده.
ويل لكل من يتطاول على مقدّسات المسلمات، وويل لكل من يتطاول على هبل والعزّى ومناة واللاّت، ستُحاكمه الغربان ويُنتف ريشه ريشة ريشةً، ثم يُنقر ويُرجم حتى الموت، ولن يشفع له الاعتذار ولا الدّموع، ولا طلب الرّحمة من العدالة.
إذا أردت أن تقرأ أو ترسم أو تكتب أو تغني، أو حتّى ترقص أغلق باب غرفتك جيدًا واستتر عن الأعين، واستمتع بالقراءة والكتابة، وتطاول على الشّعر والنثــر، واسترق النّظر حتى لتاريخ الأجداد، وانهب من الجغرافيا ما تشاء، وانهل من الكتب ما تشاء، وتطاول حتى على “المقدّمة” وعلى الأخطل الكبير والصّغير، وتطاول حتّى على جرير وعلى الحمار المستنير، وعلى الأدب القديم والحديث وعلى كل الأحاديث، ولكن تذكر إن عصيت عليك أن تستتر وإلا ستدفع الثّمن.
اقرأ خلسةً، اكتب خلسةً، ارسم خلسةً، استمع إلى الموسيقى خلسة، حتى وأنت تقرأ القرآن اقرأ في صمت بلا صوت، فقراءة القرآن في زمن الماريخوانا دخلت باب التّطاول والتّعالُم.
وإذا رأيت الكتب تُباع على قارعة الطّريق عليك بغض البصر لكي لا تُتهم بالتّعالم والتّدخل في الشّؤون الداخلية للحيل، وتُقطع أطرافك من خلاف. وإذا اشتريت كتابًا تأبّطه وحلق بسرعة البرق إلى منزلك لأنّنا في زمن صار فيه الكتابُ تهمةً وشبهة ومعصية ومدعاةً للسخرية وبُهلول من يقرأ. وإذا أصبت شيئًا من العلوم، ونهلت خلسة بعض المعارف استتر ولا تحدّث النّاس بما نهلت فما نهلته خلسةً سرقة موصوفة ونهب لما لا تملك.
لك أن تتطاول على النّاس ولك أن تنهب ثرواتهم، ولك أن تسرق قوتهم ولك أن تختلس ما تشاء، فقط لا تقترب من الكتاب والقلم، وعاش من عرف قدره، ومن عصى ستؤدبه العصا.
لك أن تدخّن الماريخوانا فقط لا تقرأ قصيدةً تحدثك عن رفع سقف الأحلام عاليا.
لك أن تعصي كما تشاء، فقط لا تكتب خاطرةً عن الأمل أو تدوينةً عن سلاح القلم.
تحتاج إلى رخصة لتمسك بالقلم. لك أن تفعل ما تشاء فقط لا تمسك بالفرشاة وترسم رسمًا سرياليّا يعبر عما تحسه من ألم في زمن بلا أمل.
وفي النهاية أقول بكل ألم:
هنا يُباع القلم خلسة.
هُنا يُباع الكتاب خلسة.
هُنا تُباع فرشاة الرسم خلسة.
هُنا تُباع الألوان خلسةً.
هُنا تُباع الأحلام خلسة.
هُنا يُباع ضمير الإنسان خلسة.
وهُنا تُباع الماريخوانا في كلّ مكان، وحتى على شاشات الإعلام.
هُنا تُباع الحماقة في كل مكان،
هُنا تحلّق عاليا بعلكة،
هُنا عالم عجيب ووراء البحار ذئب غريب.
لذلك يغرّد البلبل خارج السّرب، ويحلق عاليا بلا ماريخوانا.
ويغني:
العمى عمى البصيرة،
ويلٌ لكل من يأكل من عشب الحظيرة،
ويلٌ لكل من يأكل من قمح الحظيرة،
ويلٌ لكل من يشرب من ماء الحظيرة،
ويل لكل من يشرب من شاشة الحظيرة،
العمى عمى البصيــرة …