بقلــم: د. زبيـــر خلف الله
يبدو أن مستقبل العلاقات المغاربية التركية سوف يكون أفضل خصوصا اذا استمرت إرادة التغيير السياسي في البلدان المغاربية وفي تركيا أيضا على اعتبار أن الهوة التاريخية بين الضفة التركية والضفة المغاربية لم تعد عميقة، وأن هناك توجها مغاربيا أيضا للاستفادة من التجربة التركية والتعاون مع تركيا في كافة المجالات . وقد بدأنا نلحظ بشكل جلي تدفقا كبيرًا ورغبة لقدوم الطلاب المغاربة للدراسة في تركيا، وهذا في حد ذاته يشكل رصيدًا مهما يمكن أن يعزز طبيعة هذه العلاقات ويرسخها في المستقبل.
كذلك نرى أن تركيا باتت محتاجة جدا إلى بناء شراكات اقتصادية وثقافية واستراتيجية وعسكرية مع بلدان المغرب العربي لا سيما أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت منطقة ساخنة أثرت على الاقتصاد التركي وعلى مشروع تركيا الكبرى الذي يحتاج إلى أن يتوسّع في مناطق أقل توترًا، ولعل المنطقة المغاربية هي المنطقة الأكثر جذبا بالنسبة إلى تركيا.
إذا أردنا للعلاقات المغاربية التركية أن تتدعم يجب على الطرفين أن ينفتحا على بعضهما البعض، وأن يؤسسا لمشروع تعاون اقتصادي واستراتيجي مستقبلي يدفع باتجاه تحويل منطقة المغرب العربي إلى كيان سياسي موحد قادر على لعب دور إيجابيّ على الساحة الإفريقية والعربية والدولية، ويؤسس لنواة لقاء حضاري عربي وإسلامي على الضفة الغربية للبحر الأبيض المتوسط.
في المقابل على تركيا الجديدة أن تنظر إلى المنطقة المغاربية من زاوية الشراكة التّاريخية والحضارية والثقافية، لأن هذه العوامل هي التي تدفع فعلا لإيجاد ثقة بين الطرفين وتأسيس مشروع حضاري تحرري ينقل المنطقة المغاربية من حالة الهيمنة الغربية إلى حالة الاستقلالية الذاتية. كذلك على تركيا أن تسعى للوساطة بين الفرقاء في ليبيا من أجل الوصول إلى حلّ توافقي يحقق الأمن والاستقرار داخل هذا البلد الغني بثرواته وطاقاته، وأن تقدم لهم كل العون والخبرات من أجل مشروع الدولة الليبية الديمقراطية المستقرة.
كما أن على تركيا أن تسعى للإصلاح بين الشقيقتين الجزائر والمغرب الأقصى، والبحث عن حل يرضي جميع الأطراف في مسألة الصحراء الغربية التي مثلت عقبة كأداء وعاملا في توتير العلاقة بين الجارتين الشقيقتين لأن استقرار المنطقة المغاربية يخدم تركيا بالدرجة الأولى لا سيما وأن الشعوب المغاربية أصبحت تنظر إلى تركيا نظرة إيجابية ومعجبة بتجربتها النهضوية وتريد الاستفادة منها.
خلاصة القول، ستظل العلاقات المغاربية التركية علاقات عريقة متجذرة في الماضي والحاضر والمستقبل وذلك لأن جملة من المشتركات التي تجمع الضفتين كبيرة وكثيرة قادرة على أن تبني مستقبلا واعدًا يخدم مشروع المنطقة المغاربية وتركيا في الآن نفسه، ويقلل من حجم الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. يبدو أن المنطقة المغاربية إذا استقرت فيها الأوضاع السياسية وزالت الخلافات بين دولها ستشكل في المستقبل المنظور كيانا موحدًا قد يتحول إلى لاعب رئيسي على ضفة البحر الأبيض المتوسط وفي القارة الإفريقية، خصوصا إذا اعتبرنا أن عوامل النجاح في الاتحاد بين هذه الدول متوفرة جدّا عكس منطقة الشرق الاوسط التي لا يوجد بين مكوناتها الاجتماعية تناغم يشجع على اللقاء. وهنا على تركيا أن تولي اهتماما لهذه المسألة وأن تدفع في اتجاهه لأنها ستكون أكثر الدول المستفيدة من ذلك.