بقلم: صابـــر الحباشــة
يعتبر الدكتور عبد الله صولة أحد أبرز أعلام الجامعة التونسية في البحوث الأسلوبية والحجاج والتداولية والعلوم المعرفية. وهو الرجل المحبب من قبل الجميع لطيبته ودماثة خلقه وعلمه الغزير ولعفويته وعقلانيته التي تتخفى في عاطفة متقدة وحساسية بالغة.
هذا الرجل الذي عمل عقودا في الجامعة التونسية وتخرجت على يديه أجيال من الأساتذة، حيث درّس في كلية الآداب بمنوبة/ تونس، وفي دار المعلمين العليا والمعهد الأعلى للتكوين المستمر وفي بعض الجامعات الخاصة، وغيرها أجيالا من الطبة الأسلوبية والمناهج الحديثة والأدب العربي واللسانيات.
ويحتاج الرجل إلى تكريم من أعلى مستوى لأنه كان زاهدا في كل شيء إلا في العلم، ولم يكن ينتصر إلا لقيم العقلانية والعلم والعمق المعرفي. وقد حاولنا أن نتعلم منه وأن نقتفي أثره، …ولكن شتان بين الأصل والصورة.
أطروحته عن “الحجاج في القرآن من خلال أهم مظاهره الأسلوبية ” (نشرت في تونس سنة 2001م وطبعت ثانية في دار الفارابي ببيروت سنة 2007م تعدّ علامة بارزة على الاجتهاد المنهجي المنضبط، فقد قدّها أستاذنا على طراز الأطروحات عالية الجودة دقة في المنهج ومتعة في القراءة وتجديدا في المحتوى.
وقد قدم فقيد الجامعة التونسية الأستاذ الدكتور عبد الله صولة عديد الأوراق في سياق تطوير مناهج اللغة العربية التي تواكب التطورات المنهجية التي لا تقف عند حد معين، فقد شارك سنة 2004 في مؤتمر تطوير مناهج اللغة العربية الذي انعقد في البحرين بورقة عنوانها “البلاغة العربية في ثوب عرفاني – الاستعارة وعلاقتها بالمستوى القاعدي نموذجًا ” موضحاً أن الاستعارة ضروب من التفكير في الأشياء تفكيراً مجرداً، وهذا ما يسميه لا يكوف بالكفاية التصورية، وتتمثل في قدرة الإنسان على تشكيل البنى الرمزية التي مدارها على المستوى القاعدي الذي تتشكل في الصّورة الذهنية.
ووقف عند مجموعة من القضايا الرئيسة التي تعزز قيمة الورقة، مثل: نشوء الاستعارة أو التشبيه ودور المستوى القاعدي، حيث هي من القضايا التي تعالجها البلاغة العربية القديمة معالجة منهجية واضحة، تلك التي ترتبط بالألفاظ الاستعارية أو المعجم الاستعارة، موضحاً أن مفردات اللغة عند علماء الدلالة العرفانية تنقسم إلى ثلاثة مستويات، هي: المستوى الأعلى كالسلاح والحيوان ووسائل النقل، والمستوى القاعدي كالسيف والسهم بالنسبة الى السلاح، والأسد والثعلب بالنسبة الى الحيوان، والسيارات والشاحنات بالنسبة الى وسائل النقل، والمستوى الفرعي أو الأدنى مثل أنواع السيوف وأنواع الأسود وأنواع السيارات. ومن خلال العرض قدم الدكتور عبدالله صولة المستوى القاعدي طرازاً رأسياً، والمستوى القاعدي طرازاً أفقياً مبيناً مع الشواهد والأمثلة ثماني خصائص يراها لايكوف أنها تجعل المستوى القاعدي قابلاً ليكون مخزناً في الذهن، وهي أنه المستوى الأعلى الذي يكون فيه لأفراد المقولة صورة إجمالية مجردة، وهي قريبة.
وفيها يلتقي أفراد المقولة في صورة ذهنية واحدة توحد بينهم على المستوى القاعدي، وكذلك فإن لفظ المستوى القاعدي هو الذي نطلقه في معظم الأحيان على الأشياء حين نعنيها، كما أن ألفاظ المستوى القاعدي محايدة سياقياً.
ولم يكن هذا فقط إسهام الفقيد، بل لقد كتب وترجم ونشر بحوثا وكتبا مهمة في الحضارة والأدب واللسانيات.