في رواية هذباء علي الغويلي تتداخل القيم والسلوكيات والمواقف، وتنكسر الأحلام الفردية والجماعية، ويضيق هامش الفكر والحرية.
بيروت ـ في روايتها “قلوب تحترق” ترتاد هذباء علي الغويلي مجاهل المجتمع التونسي عبر الاستنطاق المتعدد المنظور لواقع (سياسي – اجتماعي) تداخلت فيه القيم والسلوكيات والمواقف، وانكسرت الأحلام الفردية والجماعية، وضُيق هامش الفكر والحرية، الشيء الذي أفرز لدى الكاتبة حديثاً للتعبير والاسترسال التخييل الروائي في تمثيل أوجاع المجتمع التونسي قبل وأثناء وبعد الثورة والتقاط مفارقاته، وتصوير أشكال الصراع داخله (سلطة/ مواطن) و(ذكورة/ أنوثة) ومن ثم محاولة فهم مسارات تحول الوعي الفردي والجماعي باتجاه التغيير.
في تظهير الحكاية تبدو البطولة في هذا العمل جماعية والهموم مشتركة بين جميع الشخصيات، أما ما يفرِّق بين هذه الشخصيات فهو أن منها هموم أنثوية، كـحالة “زينب” حيث أضاءت السرود المتعددة على زمن الطفولة الأنثوية المعذبة داخل بنية الأسرة والمجتمع، وبذلك تشكلت صورة المرأة هنا من خلال القهر النفسي الناتج عن الطفولة المعذبة “هيا أيّتها القطّة الشرسة، تحمّلي بعض الألم حتى تعيشي مرفوعة الرأس بقية حياتك، فهذا الزّمن رحم مشوّهة لا تدفع إلاّ بالأنذال، أمّا الرجال فقد عزّ وجُودهم”.
السرد يحمل معه همومًا أخلاقية وسياسية وفكرية، فيتمخض عنه وعي شعبي يتمظهر روائياً وتتحول معه الشخصيات إلى الثورة على الأوضاع السائدة
لم تستطع زينب الطفلة حماية نفسها من انتهاك شرّعه مجتمع ذكوريّ محض يسود المجتمع ويقوده. وعندما كبرت لم يكن همها سوى إنهاء دراستها الجامعية في كلية الصيدلة والعلوم الكيميائية، فالشهادة ستؤمن لها عيشاً كريماً.
أما قلبها فلم يعرف شيئاً اسمه حبّ وعشق، لم تمنحه فرصة إلا في النهاية. أما صديقتها “فردوس” يتيمة الأم ومحرومة الأب فعاشت قصّة حبّ استنزفت منها كل ما تملك من مشاعر، فأوصدت أبواب قلبها وألقت بالمفتاح في عالم النسيان، وقررت أن تعيش الحياة كما هي سواء “كان في كفّها الغار أم في كفّها العدم”. انضمّت إلى منتدى الشعر في الجامعة، وذاع صيتها، حتى لُقبت بإلاهة الشعر حتى جاء ذلك اليوم الذي تلقت فيه رسالة من “عاشق الموت” ولم تكن تدري أنّ بقراءتها لتلك الرسالة قد شرعت في كتابة أول سطر في قصّة حب هي بطلتها، والقلب مسرحها.
في إضاءة على الشخصيات تبرز أيضاً قصة “صالحة”، أم زينب، التي كان لها مع الحب موعداً أول ومع السجن والاغتصاب والقهر موعداً ثانٍ، بمجرد أنها ذهبت للسؤال عن زوجها إبراهيم المعارض للسلطة، والذي تعرض لظروف اعتقال سياسي قاسية، أقلها الإهانة والتعذيب والألم الروحي والجسدي لدى الكائن المعتقل.
هجرة الزوج للعمل في الخارج وأثره على الأسرة
أما مريم جارة صالحة فهي أمّ لأربعة أطفال ومتزوجة من عامل بالخارج، لا يعود إلا لماماً.. تجاهلت أنوثتها على اعتبار أن “المرأة إذا تزوجت وأنجبت ماتت أنوثتها ووئدت رغبتها بين مقابر نواميس العشائر والعروش”. كان زوجها قاسياً وجاهلاً لأبسط حقوقها، فوجد “العنكبوت” فيها فريسته وتحقيق رغبته وأحست هي معه بالأمان والحبّ، فتمنى الاثنان أنهما لو التقيا في غير هذه الظروف.
وهنا تعالج الروائية موضوع هجرة الزوج للعمل في الخارج وأثره على الأسرة وعلى مشاعر المرأة. فنجحت في الدخول إلى العالم الداخلي للمرأة، وكشف خباياه، وتحسس ما يعتمل فيه، من مشاعر وأحاسيس، ثم الكشف عن مواطن الخلل في العلاقات الزوجية.
ويستمر السرد ليحمل معه هموماً أخلاقية وسياسية وفكرية، فيتمخض عنه وعي شعبي يتمظهر روائياً وتتحول معه الشخصيات إلى الثورة على الأوضاع السائدة، ولتطغى في النهاية أصوات الحرية على أصوات الطاغوت.
الرواية صدرت الدار العربية للعلوم ناشرون، وجاءت في 168 صفحة.