تخزين الصّابة في الرّيف التونسي

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

بقلم: بوجمعة الفيالي

لجمع الصّابة وتَخزينها يَسعى الفلاّح الرّيفي في مناطق الشّمال التّونسي إلى اِمتلاك “مَطامير” (جمع مطمور) و”أَخْصاص” (جمع خصّ) لذلك الغَرض. فبعد عمليّتي الحَصاد والدّريسة[1] يتمّ وضع الحُبوب في أكياس وتُصفّف مؤقّتًا في البَيْدر المعروف عندهم باسم “الطّرْحَة ” أو “القَاعة ” (بتثليث القَاف)، ويكون هذا الوضعُ وقتيًّا إلى أن تُصبح المطامير المعدّة مُسبقًا جَاهزةً لعمليّة التّخزين.

كيفيّة حَفر المطمور وتهيئته للتّخزين

المطمور[2] هو عبارة عن حُفرةٍ عَميقة وواسعة يتراوح قُطرها وعُمقها في الأرض بين متر ونصف إلى مترين تقريبًا، وهو صالح لطمر الحُبوب من القمح الصّلب والقَمح الليّن المسمّى بــــ “الفَارينة”، والشّعير. ويختار الفَلاّح مكانًا مناسبًا قُرب مَسكنه بجانب البَيدر لتجهيز ما لا يقل عن ثلاثة مَطامير للاطمئنان على مَحاصيله وحِمايتها من التّلف.

بعد إتمام عمليّة الحَفر وتنظيف المطامير والمكان من الأتربة تَنزل المرأة الفَلاّحة إلى قاع المطمور بواسطة سلّم حامِلةً مَعها وعاء ملأته بخَلْطَة من “حِنَّة البَقر” [3] وتَطلي بها أرضيّة المطمور وجِداره المُستَدير، وهكذا تَفعل مع أرضيّة المطامير الثّلاثة وجدرانها. ويُستحسن إقامة هذه المطامير في مكان مُنحدر قليلاً وحمايتها من الجهة العليا بحَفر خَندق صَغير بعُمق حوالي 30صم من ثلاث جهات، وهو ما يسمى بــ: “الــوَنِــي”. وهذا الوَنِي يَحمي المطمور من دُخول مِياه الأمطار عند سَيلانها، تمامًا مثل وَنِي المعمّرة.

بعد أن تُصبح المطامير جاهزةً، والبَيدر يَضيق بأكداس الحُبوب بأنواعها وبصفوف من الأكياس المعبّأة يُنادي الفلاّح بأعلى صوته، حَاثّا كلّ أفراد العائلة المبادرة  بالانطلاق إلى البيدر ودفن تلك الحُبوب في مَطاميرها في كنف النّظام والتّنسيق،وذلك بوضع كلّ صنف في مَطموره.  وتتمّ العمليّة في غاية السّرعة والانضباط والإحكام.

وليطمئنّ الفَلاح على محصُوله الّذي سيطُول خزنه في هذه المطامير وجب عليه القِيام بـ” فَرشةٍ” سَميكة من القشّ الجَافّ فوق الحُبوب، ثم يُردف ذلك بعمليّة  “تَدْييس” مُحكَمة فوق القَشّ، مع جعل مِياه الأمطار تصبّ في “الوَنِي” المجعُول لهذا الغرض. وأخيرًا، يَضع الأثقال فوق الدِّيس لكي لاَ تُبعثره الرّياح العَاصفة وتُفسد دوره في حماية المطمور من تسرّب المياه إلى الدّاخل.

كيفيّة صُنع ” الخَصّ”

هو حَصير مَصنوع من القَشّ، ويوفّر الفلاّح المادّة الأولى المتمثّلة في كمّيّة كبيرةٍ من القْصيل الجَافّ، ويشتري من السّوق “كْبَايِبْ” خَيْط، يُسميها هو ” كبّة السّْبَاوْلُو “، ثمّ ينسج حصيرًا طَويلاً، يكفي لحيازة دائرة فوق الأرض قُطرها 1،8م على 1،8م ارتفاعًا تقريبًا، ويتمّ بناء “الخَصّ” بإحكَامْ فوق الأرض. كما يكون مبنيًّا داخل “المعَمْرَة لحمايته من الأمطار، وذلك لضرورة بقائه مفتوحًا بعد مَلئه بالحُبُوب لأهمّ العمليّات الفِلاحيّة وهي: موسم الحَرث والبَذر خريفًا، فتكون كمّيات الحُبوب المخزّنة في “الأخْصَاص” هي حُبوب البذر التي يقال لها “الزِّرِّيعَة”، أي ما نَزرَعُه من حبوب خلال الموسم المقبل.

وبهذه الكيفية يحجّر الفلاح على الجَميع فتح أيّ مطمور، أو حتّى الاقتراب منه، وذلك خوفًا من اِنخرَام  غِطائه وتسرّب مياه الأمطار إلى الدّاخل فتَفسد الحُبوب المطمورة. ولا تُفتح تلك المطامير إلا بحُلول الصّائفة المقبلة، أو عند الضّرُورة القصوى، أو إذا نقصت “زرّيعة” فيَضطرّ إلى فتح المطمور.

[1] انظر مقالي في هذا الخصوص.

[2] المطمور مُشتق من الفعل الثلاثي: طَمَر. والكَلمة عربية فصيحة. جاءَ في القاموس: طَمر البِئر ردَمها .وطَمَر الشّيء دفَنَه، وسَتَره: طمَر الزّلزالُ مَنازل عَديدةً ، و طمَرته الأنقاضُ.

[3] والمقصود بحنّة البَقر هي فَضلاتها. وهذه الفضلات لها وظائف كثيرة منها: تَلييق البيدر وتجهيزه للدّريسة، وتمليس جدران الأكوان الخشبيّة وكذلك تمليس المطامير ودهنها بها.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1
Visit Us
Follow Me
Tweet